وقود حرب بلا إنسانية.. تقرير حقوقي: 83% من الضحايا في غزة مدنيون
وقود حرب بلا إنسانية.. تقرير حقوقي: 83% من الضحايا في غزة مدنيون
كشفت بيانات منظمة "أكليد" المستقلة، المعنية بتتبع مواقع وأحداث الصراعات المسلحة، عن أرقام صادمة توضح في قطاع غزة منذ استئناف الهجوم الإسرائيلي في مارس الماضي.
تؤكد المنظمة أن خمسة عشر من كل ستة عشر فلسطينيًا قُتلوا على يد الجيش الإسرائيلي كانوا من المدنيين، ما يجعل معدل وفيات المدنيين في هذه المرحلة من أعلى المعدلات المسجّلة منذ اندلاع الحرب في أكتوبر 2023.
يشير التقرير إلى أن هذا المعدل الاستثنائي يفاقم الضغوط الدولية على إسرائيل، في وقتٍ تواصل فيه قواتها التوغل داخل مدينة غزة، مجبرة ما يقرب من مليون شخص على النزوح، مع تزايد المخاوف من موجة جديدة من الخسائر البشرية الواسعة.
يتتبع باحثو "أكليد"، المدعومون من حكومات غربية ومن الأمم المتحدة، المعلومات من مصادر متنوعة تشمل بيانات الجيش الإسرائيلي، ووسائل إعلام محلية ودولية، وتصريحات حماس، وتقارير ميدانية.
ومنذ 18 مارس، زعمت إسرائيل أنها قتلت أكثر من 2100 مقاتل، في حين تُظهر بيانات "أكليد" أن العدد أقرب إلى 1100 شخص فقط، بينهم قيادات سياسية وعسكرية من حماس، إضافةً إلى مقاتلين من جماعات أخرى.
أرقام متناقضة
تؤكد إحصاءات الأمم المتحدة أن أكثر من 16 ألف فلسطيني قُتلوا منذ أن أنهت إسرائيل وقف إطلاق النار الذي استمر شهرين في مارس، حيث أعقب ذلك موجة كثيفة من الغارات الجوية على القطاع المدمر.
وبينما أطلع مسؤولون عسكريون وسائل الإعلام الإسرائيلية على حصيلة 2100 مقاتل قُتلوا بحلول منتصف أغسطس، تشير التقديرات إلى أن هذا الرقم قد يكون ارتفع لاحقًا، في ظل الاعتراف بأن باحثي "أكليد" قد لا يكونون رصدوا جميع وفيات المقاتلين خلال الأشهر الستة الماضية.
كشفت صحيفة "الغارديان" في تقرير سابق أن بيانات داخلية من الجيش الإسرائيلي بين أكتوبر 2023 ومايو 2024 أظهرت أن المدنيين شكّلوا 83% من إجمالي القتلى في غزة.
وفي السياق نفسه، سجل "أكليد" زيادة حادة في عمليات هدم المباني منذ تجدد الأعمال العدائية في مارس، حيث بلغ عدد الحوادث 500 في ستة أشهر فقط، مقارنة بـ698 حادثة خلال الخمسة عشر شهرًا السابقة، ما يعكس تصاعد وتيرة التدمير.
تصريحات عسكرية إسرائيلية
أقرّ ضابط عسكري إسرائيلي بارز في حديثه لصحيفة "الغارديان" بوجود "توتر" بين حماية المدنيين ومتطلبات العمليات العسكرية "سريعة التطور"، واعتبر أن ما يجري في غزة يمثل "حربًا مختلفة تمامًا عن أي صراع سابق"، مشيرًا إلى أن قواعد الاشتباك لا تزال قائمة، لكن طبيعة المواجهة تغيّرت مع الهدف المعلن المتمثل في منع حماس من استعادة السيطرة على غزة.
وأعلن الجيش الإسرائيلي في بيان رسمي عزمه استخدام "قوة غير مسبوقة" في مدينة غزة، داعيًا السكان إلى النزوح جنوبًا، في وقتٍ أُغلق فيه طريق الإخلاء المؤقت الذي فُتح قبل يومين فقط.
وأفاد تقرير "أكليد" بأن الغارات الإسرائيلية قتلت ما لا يقل عن 40 قائدًا وعنصرًا رئيسيًا في الجناح العسكري لحماس منذ مارس، بينما لم يتبقّ في القيادة العسكرية العليا سوى مسؤول واحد من المجلس العسكري الذي كان قائمًا قبل الحرب.
وأكدت كبيرة محللي شؤون الشرق الأوسط في "أكليد"، آمنة محفار، أن حماس "ضعفت بلا شك" ولم تعد قادرة على إيقاف إسرائيل أو إخراجها من غزة بالقوة، وأوضحت أن الحركة تحاول الحفاظ على ما تبقى من بنيتها وقدرتها العسكرية، مشيرة إلى انخفاض ملحوظ في الاشتباكات الشهرية المباشرة، مقابل اعتماد متزايد على المتفجرات المزروعة في المباني والطرقات.
أدى انفجار عبوة ناسفة في رفح هذا الأسبوع إلى مقتل أربعة جنود إسرائيليين، لترتفع حصيلة القتلى الإسرائيليين منذ مارس إلى 54، ومع ذلك، تشير التقديرات إلى أن حماس باتت محصورة إلى حد كبير في مدينة غزة ودير البلح، إضافةً إلى مناطق محدودة مثل المواصي، التي أُجبر سكانها على النزوح الكثيف.
المعاناة الإنسانية
أدى الهجوم الإسرائيلي المستمر منذ 7 أكتوبر 2023 إلى مقتل أكثر من 65 ألف شخص، معظمهم من المدنيين، وإصابة أكثر من 160 ألفًا، وخلّف الدمار آثارًا كارثية، إذ تضرر نحو 90% من المنازل، فيما انهارت الخدمات الصحية، وأعلن خبراء مدعومون من الأمم المتحدة عن حالة مجاعة في شمال القطاع الشهر الماضي.
وأكد تقرير "أكليد" عدم وجود دليل على سرقة حماس بشكل منهجي للمساعدات الأممية، خلافًا للاتهامات الإسرائيلية، لكنه أشار إلى احتمالية أن تكون الحركة قد حولت بعض المساعدات القادمة من منظمات صغيرة.
وشدد التقرير على أن إسرائيل خلقت ظروفًا من الفوضى في توزيع المساعدات، ما زاد من أعمال النهب دون أن يُظهر نمطها أي تورط ممنهج لحماس.
ترى المنظمة أن الحكومة الإسرائيلية تسعى إلى استراتيجية طويلة الأمد تقوم على إضعاف حماس، ومنع أي بدائل فلسطينية للحكم، ودفع القطاع نحو ظروف غير قابلة للعيش بهدف تشجيع الهجرة الطوعية، وفي النهاية تعطيل أي مسار نحو السيادة الفلسطينية.